الأربعاء، أكتوبر 26، 2011

إلى رَجُلٍ لنْ يَأتِي!




حمَلَنِي هذا الصَّباح  المُتهيَّأ لي كصباحِ عرُوسٍ تنَتظِر ليلُ زِفافها؛ بارداً مُوشَّحاً بأشياءٍ يغمُرها الارتِجافِ و شيئاً من الوَجَلْ،  ثم دعاني على مائدتهِ الخمريّة الدافئة _ خُبزٌ أحْمَرٌ ،وفُنجان قهوة ، وأُغنية! _كيّ ِأكتُبكَ  بأبجديةٍ حُروفها أعوادُ كبريتٍ تحترق لكنها لا تُحْرِقْ بقدرِ ما تَجْلُبَ الدِفء وتفُكَّ أغلالِ الصَّمتْ, وتَشْرَحُ مَياديِن التأمُّلِ وِفقَ فِقهِ القُلوب وتأويلاتها..!
أكتُبكَ من ألفِ اشْتيِاقي حتى ياءُ احتِياجي، أكْتُبُ إلى الرَّجُلِ الذي لن يأتِي وإن عَدَوتُ أميالٍ من الانتِظار وأقطارٍ من الشُّوق وقلاعٍ من الحُب ، أكتُبُ إلى الرُّجل/ الرَّجُل الذي لا يشبههُ أحد سِوى هيبةُ نَخلَاتِ مدينتي الفَارِعة، وعُذوبة عُيون الإحساء وواحاتها ونضارة ليمُونها الأخضر ، وعبقُ وَرْدِها المُحمَّدِيَّ، إلى رجلٍ يرعاني ويُقدسني كما يُقدِّس الرجل الإحسائي الأصيل نخلته و يُقسم بحقلهِ ويُداري تمراته ، تُوته، ولوزه وريحانه!!
أكتُب إلى الرَّجُل الذي تَعْجزُ فيه كل القَوانين والمُعادلاتِ والفلاسفة ، إلى رجُلٍ يحمُلني فوق غيمةٍ ويغتسِلُ بي مطَراً وعِطْر ، إلى رَجُلٍ يلُوكَ الحِجَارةِ بين فكيَّهِ ولا أُرمَى به ، ويُمسِك الرِّيح ولا تُكفنني عَنَجَهِيتُهَا ، إلى رجُلٍ يَرْوِي قرويتي في قصيدةٍ ، ويَغْزُلُ من سَذَاجِتي بُردتِه، إلى رَجُلٍ لا يُعيّب اسمي بل ينحتهُ فوق لسانه ليُناغي به الليل وسُكانه ، إلى رجلٍ أشَّمٍ كجبل، برئ كطفل!!
إلى رجلٍ يَسَعُني صَدْرهُ حين أبردُ خَوفاً ،حَاجةً ، وشوقْ ، و يُسْنِدُني ظَهرهُ حينما تقشَّعَر فرائصِي من صوتِ الرِّيح وتلوَّنُ الوجُوه ، ودُنو الهاوية ، إلى الرَّجُلِ الذي يُقوِّمني بإحتواءهِ حين أنكَسِر، ويَهَبَنِي قُوَّتهِ حين أهَابْ ، إلى الرَّجُل الحبيبِ والأبِ والصَّديقِ والأخ ,,,سأكتُبُ إليكَ ولن أكُفَّ عن ارتكابكَ سَهْواً بين سُطوري، وإن كانَ يَنْتَظِرَنِي سَوَّطٌ وسَيّفْ ، وإن كانتِ الكِتابَةِ إليكَ أشبهُ بالرَّسمِ على الماء أو البوحِ بقلمٍ أجوفٍ فوق ورَقةٍ مُبلَّلَة ، أنا التي لا أدري كيف هي بَداياتُ الحُب ، أو كيف يطرقُ أبوابنا ، كيف يهزُّ عرًوشاً ويحصِدُ حقولاً ويُشْعِلُ نِيراناً ويُوَّرِثُ الحَطَبَ والعَطَبِ !!
أراني أكتُبكَ حرفاً، كلمةً، وسَطَّر ، أكتُبكَ سراً وجهرا ، جنوناً وعقلا ،ولا أكُفَّ عن الحديثِ إليكَ بقلبي !
سَقِيمٌ جداً من لا يطرُق باب الحُب ولو همساً ولو حُلماً ولو كَذِباً ولو أُغنية! مِسكِينٌ من يُكَمِم فاه ،ويحشُوه قُطناً وطِينْ ، مُجْحِفٌ من يُبخس حق قلبهِ ، فَقيرٌ من لا يَسْتَنبِطَ الحُب من وطنه، داخل فنجان قهوتهِ، أو من عصفُورٍ حطَّ عند نافذتهِ لينشِد له، أومن نبضٍ مجهُول ، من سطُوع الشَّمسِ وَ وهَجِ القمَرْ من كل العُيون والوجُوه، حزينٌ من يتعالى عليه ويُزهِدهُ حتى لا يُظهره وهو يتقلب جمراً وشجناً..!
نتساءل : لماذا كل قلبين مُحبينِ لا يجتَمعَانِ على هذه الأرض ؟
ربما لأن هذا العالم خٌلق للحربِ لا الحُب ، فبينما فيروز تُغني : سألتكَ حبيبي لوين رآيحين ،
يتغنى هذا العالم تحت إيقاعِ طلقاتِ الرِّصاص سألتكْ يا دَمْ من أين تبدأ فلا تتوقف؟!
 ولأنَّ هذا العالم تُحزنهُ صورة يدٍ تَحْمُل وردة فيبتُرها، ويدانِ يضُمان الحُب ويُشعلانه ، بينما تروقُ له صُورُ الموتِ ،  لونُ الدم ، أثر الشوك، رائحة الجِيف  ،وانفلاق هذه المَجرَّة لتصير جرَّة تنضحُ بالدمِ البارد ..!
لكنِ سأكتُبكَ رُغماً عني وعن هذا العالم الأصم..!
بالمُناسبة : وينكَ يا حبيبي ؟







هناك تعليق واحد: